د أسامة شاهين : الصناعات المغذية العنصر الداعم لتعزيز التصدير في الأسواق الناشئة

تلعب الصناعات المغذية دورًا حيويًا في تعزيز الاقتصاد الوطني، خاصة في الأسواق الناشئة التي تسعى لتحقيق التوازن بين التصدير المحلي والقدرة التنافسية العالمية. تُعتبر هذه الصناعات أساسًا قويًا لبناء منتجات نهائية بجودة عالية وتكلفة تنافسية، إذ تشمل إنتاج المكونات والمواد الخام التي تدخل في عمليات التصنيع المختلفة. دعم هذه الصناعات وتقديم الحوافز والإعفاءات لها يُعد خطوة أساسية لتعزيز التصدير وخلق فرص جديدة للنمو الاقتصادي.
أحد الأسباب الرئيسية وراء أهمية الصناعات المغذية هو قدرتها على تعزيز القيمة المضافة المحلية. عندما يتم تصنيع المكونات الأساسية محليًا بدلاً من استيرادها، يتم تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، وهو ما يقلل الاعتماد على الأسواق الخارجية ويعزز الاقتصاد المحلي. علاوة على ذلك، فإن تحسين جودة المكونات المصنعة محليًا يسهم في رفع مستوى جودة المنتجات النهائية، مما يجعلها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية، سواء من حيث الأداء أو السعر.
عندما تُمنح هذه الصناعات الدعم المناسب، سواء كان ذلك من خلال الإعفاءات الضريبية، أو تقديم الأراضي بأسعار منخفضة، أو تسهيل الإجراءات الإدارية، فإنها تصبح قادرة على جذب الاستثمارات اللازمة لتوسيع نطاق الإنتاج. كما تؤدي هذه الاستثمارات إلى خلق فرص عمل جديدة، وهو أمر بالغ الأهمية للأسواق الناشئة التي تسعى لخفض معدلات البطالة وتعزيز مستوى المعيشة.
يمكن رؤية أهمية الصناعات المغذية بوضوح في بعض القطاعات مثل صناعة السيارات. تُعتبر هذه الصناعة من أكبر المستفيدين من وجود قاعدة قوية للصناعات المغذية، حيث تحتاج إلى مكونات متنوعة تشمل المحركات، والأنظمة الإلكترونية، والأجزاء البلاستيكية والمعدنية. على سبيل المثال، في الأسواق الناشئة مثل مصر، تسعى الحكومة إلى تعميق التصنيع المحلي في قطاع السيارات من خلال التركيز على الصناعات المغذية، مما يسهم في تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة فرص التصدير إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.
قطاع آخر يظهر فيه أهمية الصناعات المغذية هو صناعة الأدوية، التي تعتمد بشكل كبير على المواد الخام الكيميائية والمكونات اللازمة لتصنيع الأدوية. دعم الصناعات المغذية في هذا المجال يضمن توفير المواد الأساسية بجودة عالية وأسعار مناسبة، مما يمكن شركات الأدوية من إنتاج منتجات قادرة على المنافسة عالميًا.
لا يقتصر الأمر على الصناعات الثقيلة أو التقنية فقط، بل تمتد أهمية الصناعات المغذية إلى القطاعات الحيوية الأخرى مثل الصناعات الغذائية. تعتمد هذه الصناعات على مجموعة واسعة من المكونات، مثل المحليات، والمواد الحافظة، والتعبئة والتغليف. تحسين جودة وتكلفة هذه المكونات محليًا يسهم في إنتاج منتجات غذائية بجودة تنافسية وأسعار ملائمة، مما يعزز فرص التصدير للأسواق العالمية.
على الرغم من هذه الفوائد، تواجه الصناعات المغذية في الأسواق الناشئة عددًا من التحديات، مثل نقص التمويل وصعوبة الوصول إلى الموارد المالية اللازمة لتوسيع الإنتاج. كما تُعتبر الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات الإدارية من العقبات التي قد تبطئ تنفيذ المشاريع. إلى جانب ذلك، قد تعاني بعض الأسواق من نقص الكوادر المؤهلة للعمل في هذه الصناعات، مما يستدعي تنظيم برامج تدريبية لتأهيل الأيدي العاملة.
تلعب الحكومات دورًا حاسمًا في التغلب على هذه التحديات من خلال وضع سياسات تشجيعية متكاملة. يشمل ذلك تقديم الحوافز للمستثمرين، وتوفير تسهيلات ائتمانية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتنظيم برامج تدريبية لتأهيل الكوادر البشرية. على سبيل المثال، في المغرب، تعمل برامج دعم التصدير على تمكين الشركات المحلية من دخول الأسواق الخارجية، مما يعزز من مكانة المنتجات المغربية على الساحة العالمية.
وكمثال لذلك الهند ،كواحدة من أكبر الأسواق الناشئة، تركز بشكل كبير على تطوير الصناعات المغذية في قطاع الأغذية، مثل إنتاج المحليات، والمكثفات، والتغليف. ساعدت السياسات الحكومية، مثل تقديم قروض منخفضة الفائدة وإعفاءات ضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطة، في تعزيز هذه الصناعات. نتيجة لذلك، استطاعت الهند زيادة صادراتها الغذائية، خاصة في مجال التوابل والأرز المجفف، إلى أسواق عالمية مثل أوروبا والولايات المتحدة.
وايضا جنوب إفريقيا تمتلك قطاعًا مزدهرًا للصناعات المغذية، حيث يتم تصنيع مكونات رئيسية مثل أنظمة الكوابح والأجزاء المعدنية اللازمة للسيارات. تعمل الحكومة على تعزيز هذا القطاع من خلال برنامج الحوافز التصديرية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة المنتجة لهذه المكونات. هذا النهج ساعد شركات مثل “BMW” و”Toyota”، التي لديها مصانع في جنوب إفريقيا، على تقليل التكاليف وتعزيز صادراتها.
في نهاية المطاف، يُعد تشجيع ودعم الصناعات المغذية خطوة استراتيجية لتعزيز التصدير وتحقيق نمو اقتصادي مستدام في الأسواق الناشئة. من خلال توفير الحوافز اللازمة وتسهيل العقبات أمام هذه الصناعات، يمكن تمهيد الطريق لزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المحلية واختراق الأسواق العالمية. هذا الأمر يتطلب تعاونًا بين الحكومات والقطاع الخاص، مع الالتزام بتطوير بيئة استثمارية جاذبة تدعم الابتكار والإنتاج المحلي.